ما الذي يمنع العقل من العمل بشكل طبيعي؟ 

   

أصبحت مؤخراً مهتمة بقراءة الكثير من  المواضيع والدراسات المتعلقة بعمل الدماغ و تأثيره على التعلم و الفهم و التذكر، لقد أمضيت سنوات طويلة في صراع مع ذاكرتي و قدرتي على الدراسة و التفكير، لقد كنت أشكك في قدراتي العقلية و لفترة اعتقدت اني أعاني من خلل ما ، و أن ذاكرتي الضعيفة سببها مشكلة في عقلي، لقد كنت دائمة التفكير بهذه الناحية. و على الرغم من تحقيقي تقدم بمجال عملي و اكتسابي لمهارات عديدة في حياتي العامة إلا انني كثيراً ما عانيت من عدم قدرتي على التفكير دون تشويش ، ذاكرتي أيضا لم تكن تساعد.. الصوت الذي يثرثر في رأسي كان مرتفعاً للغاية لدرجة أنني لم أكن قادرة على سماع أي صوت آخر، لقد كنت أشعر بالغباء.
يسمي بعض العلماء هذه الحالة ب “ضباب العقل”  brain fog  التي قد ترجع إلى عدة أسباب منها بعض الأغذية التي تحوي كمية كبيرة من النحاس، أو الاكتئاب الموسمي أو الاستخدام السيء لبعض العقاقير
و لم تشخص هذه الحالة الى الان كحالة مرضية في العيادات النفسية. الا أنها تصنف كحالة تصيب العقل البشري و تجعله غير قادر على التفكير الواضح و الطبيعي. و أفضل أنا أن أضيف على أسبابها سببين موجزين في سياق المقال التالي
عندما تقرأ هذا المقال ستعرف أنك لست وحيداً في هذا العالم ممن يعانون من هذه المشكلة ، و إنما هناك الملايين حول العالم ممن  قالوا : أنا غير قادر على التفكير بشكل طبيعي
العقل البشري معقد للغاية و هو الجزء الذي يستهلك اكبر قدر من قدراتنا اليومية. و هو ككل أعضاء الجسد بحاجة الى تدريب ، بحاجة الى غذاء. و غذاء العقل هو العلم و المعرفة. حيث توصلت دراسة أميركية حديثة إلى أن القراءة والكتابة أو القيام بالنشاطات العقلية، التي تحرض الدماغ على العمل وتحتاج للتفكير والتحليل، تغني العمليات العقلية و تزيد من نسبة الذكاء. بمعنى: 
كلما تعلمت شيء جديداً و كنت تعيش في بيئة غنية بالمثيرات كلما تكونت خلايا جديدة في الدماغ و كلما زادت قدراتك العقلية. و العكس صحيح ، البيئة الفقيرة التي لا تحوي مثيرات مختلفة تجعل من العقل البشري محدود و أقرب إلى الضمور. و أنا هنا لا اختلق المعلومة فهذه حقيقة علمية مثبتة.
 
لكن متى يصبح العقل عاجزاً؟ متى يمكن أن تقول لنفسك أنك لم تعد تستطيع أن تتجاوز هذه المرحلة؟ في الدراسة او التفكير أو إيجاد حل لمشكلة. العقل البشري غير محدود ، فالعقل الذي اخترع الطائرة و الكومبيوتر و الهواتف الذكية لن تمنعه الظروف من إيجاد الحل لمشكلة حياتية و لن تعجزه تعلم لغة جديدة مثلاً ، ما يوقف العقل عن القدرة على التفكير السليم اذا استثنينا الأمراض النفسية و العقلية ، من خلال تجربتي الشخصية وجدت أن هناك سببان هامان يعطلان العقل البشري و قدراته الخارقة لا و بل يعطلان ذاكرته أيضا. و إليكم الأسباب
السبب الاول هو استحواذ فكرة ما على العقل بحيث يفقد العقل قدرته على التفكير و التركيز بأي شيء اخر.
 فتصبح هذه الفكرة العالقة هي محور التفكير و الاهتمام و الذاكرة. لا شيء اخر يهم. و كل ما تراه حولك هو أمر ثانوي. و هو أساس التعلم، كيف؟ إننا نتلقى المثيرات المختلفة حولنا و نلتقط منها ما يهمنا و نستبعد ما لا يلفتنا. إننا ننتقي ثم نخزن، الدماغ يستقبل كل المعلومات من البيئة الخارجية و استطيع أن أقول أن كل ما يمر علينا يبقى في ذاكرتنا و لو لفترة من الزمن قد لا تتجاوز الثواني. الا أن ما يبقى و يخزن في الذاكرة الطويلة هو ما يؤثر فينا و ما يمكن أن يكون له ارتباط باهتمامتنا.
من أنواع الافكار التي تحمل صفة الاستحواذ على العقل ؛
 
 
الحب. نعم الحب هو أحد أهم الأسباب التي ستُعطل قدراتك العقلية و قدرتك على التعلم و التذكر. بل إنه احد أهم اسباب النسيان ، إن التشويش الذي يخلقه الحب في عقل الانسان أمر يدعو للتأمل ، دراسة حديثة، الحب يعطل التفكير
 
المرض عندما تمرض تختفي الحياة من حولك و يتمحور تفكيرك حول صحتك حول جسدك. ستفكر بالأمر على مدى الساعة و اليوم و الأسبوع. و لا أقصد المرض كالجريب او غيره بل اتحدث عن الامراض المزمنة المهددة للحياة. قد تقول لي ان هناك الكثيرين ممن استطاعوا تخطوا هذا الموضوع و انتجوا من معاناتهم قصص نجاح. لكن ركز معي ماذا كانت مواضيع نجاحهم؟ نعم الفكرة التي تستحوذ على عقلهم و لا شيء اخر. مرضهم.
 
الأسرار. ان تعيش في سجن سر لا تستطيع أن تبوح به لأحد هو بحد ذاته مآساة درامية، أنه أمر يجعلك منهك عقلياً و جسدياً و وجدانيًّا
السبب الثاني هو الادمان. ليس فقط ادمان المواد المخدرة. 
 
 
إدمان مواقع التواصل الاجتماعي. إدمان الألعاب الالكترونية ، و إدمان مشاهدة البورن ، حتى مشاهدة الأفلام و قراءة الكتب.
انه الادمان على اي شي. مثلاً أظهرت دراسة طبية حديثة، أن الأشخاص الذين يعانون مما يعرف بظاهرة “إدمان الإنترنت” خاصة من المراهقين هم الأكثر عرضة للمعاناة من تعطل واختلال روابط المخ العصبية، بالإضافة إلى تعرض “المادة البيضاء” بالمخ إلى تغيرات غير طبيعية، على الرغم أنه ما يزال غير واضح ما إذا كانت هذه التغيرات السلبية التي تطرأ على روابط المخ العصبية ناجمة عن إدمان الإنترنت أو بفعل عوامل عصبية أخرى، حيث تظل هذه النظرية محل جدل وبحث بين العديد من العلماء في الوقت الذي لم تتوصل فيه العديد من الأبحاث الطبية التي أجريت في هذا الصدد إلى علاج فعال لإدمان الإنترنت في ظل تضارب التشخيص.
 
الادمان معطل للتفكير و سيجعلك تشعر بعجزك و قصور تفكيرك. سيحد من ذاكرتك و أساليب تفكيرك في حل المشكلات. النقد و الربط بين الأسباب و النتيجة. لا بل إنه أحد أهم أسباب الإصابة بالاكتئاب، فالإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً تجعلك تنهمك في مسألة عدم حصولك على إعجابات كافية كنت قد خططت الحصول عليها في حال مشاركتك في موضوع شخصي يهمك أو مشاعر تشعر بها. مما يؤدي إلى الإصابة بالاحباط. و مع تكرر الموضوع سيؤدي الى الاكتئاب. إضافة إلى أن بمجرد دخولك إلى الفيسبوك مثلا فإنك لن تستطيع الخروج منه بسهولة و في حال خرجت فإنك تشعر برغبة و لو غير واعية بالعودة إليه. إنه يشبه كثيراً الحالة الإدمانية
 
إذا أردت التخلص من هذه الافكار التي تثرثر في عقلك. لابد أن تتحدى نفسك، لابد أن تضع برنامج و تجبر نفسك على السير عليه. إجبار جسدك قبل عقلك. لابد من أن تحدد مؤقت لدخولك مواقع التواصل الاجتماعي و فترات اللعب بالألعاب الالكترونية أو حتى مشاهدة الافلام. و أن تتوقف عند انتهاء الموقت المخصص. لن يحصل هذا الامر الا بالتدريب و الإرادة طبعاً، و من ثم فإن التخلص من فكرة مستحوذة على العقل ليس بالأمر الهين إلا أنه ليس مستحيل، أشغل نفسك بأمور مختلفة بحيث لا تكون قادر على التفكير بهذه المور العالقة في عقلك الداخلي،
إحدى الطرق المستخدمة و الفعالة في هذه المشكلة هي تدوين الفكرة أو الهاجس الذي يسيطر على عقلك. و ذكر أسبابه و نتائجه التي تؤثر عليك. أكتب كل شيء عنها. ثم إفعل ما تشاء بتلك الورقة. كلما أسرعت بإخراج كل ما يؤرق عقلك  على الورق كلما توقف عقلك عن التفكير بها ، بالطبع هناك الكثير من الأسباب الاخرى التي قد تؤدي إلى تعطيل قدرة العقل على التفكير و لن يسعنا شرحها في مقال واحد لذلك اخترت جزء اعتبرته من الأسباب المباشرة و الغير مرضية و كذلك المؤقتة التي أصابت كثيرين في عصر السرعة و التيكنولوجيا.
بإمكاننا إيجاد نقاط مشتركة بين استحواذ فكرة معينة على الدماغ و الإدمان. كلاهما يعطل عمل العقل و أؤكد لكم أنه لا علاج لهذه الأنواع من الادمان إلا بعلاجات سلوكية أو بخطة طويلة الامد لا تأتي بعد يوم أو يومين. تتضمن تغير جذري في طريقة الحياة. مع توفر العزم و الإرادة للتغيير.

7 آراء على “ما الذي يمنع العقل من العمل بشكل طبيعي؟ 

  1. حلو الموضوع دا قريب من اللى كنت بدور عليه فعلا
    ملحوظة بس. انا لو فكرت امفكرش فى فكرة مستحوزة فى دماغى فانا تقريبا كدا بقكر فيها.مشكدا ؟؟

    إعجاب

  2. هذا الموضوع يلخص حالتي والاسباب المذكورة التي تزيد من تأزم هذه الحالة اقوم بها تقريبا بشكل يومي فانا مدمن على الانترنت كذلك اريد ان اوضح ان الوحدة وضعف الشخصية لهم دور كبير في زيادة تشوش الدماغ عموما الموضوع رائع وتحياتي

    إعجاب

أضف تعليق