حقائق مهمة عن الأمراض النفسية (جزء 1)

يكثر الحديث عن الأمن هذه الأيام, سواء كان الأمن العالمي أو الغذائي أو الدولي ..ألخ و يغفل الحديث تماماً عن أهم أنواع الأمن على الإطلاق .. ” الأمن النفسي” فما إن يفقد الشخص أمنه الداخلي حتى يصبح من الصعوبة بمكان أن يشعر بأي نوع من الأمن حوله حتى و إن كان موجوداً .

و يعاني الكثير من الأشخاص حولنا من الاضطرابات في أمنهم الداخلي سواء كان ذلك اضطراباً نفسياً أم اضطراباً عقليا ًو تزيد من معاناتهم خوفهم من الكشف عن مرضهم أمام الآخرين. لأنه و بسبب ضعف الوعي بالأمراض النفسية و الصحة النفسية عموماً فإنه من السهل أن يتم إطلاق العديد من العبارات و الكليشات المؤذية اتجاه المريض دون إدراك أن هذه العبارات تضر المريض و لا تنفعه و قد تؤدي أحياناً إلى تدميره كلياً.

يقع العديد من الأشخاص في فخ المعتقدات الخاطئة تجاه مفهوم المرض النفسي عموماً

ستسمع العديد من الناس يصفون شخصاً يعاني من اعتلال نفسي بأنه ” مجنون” و قد تجد آخرين لا يقتنعون أصلاً بوجود مرض نفسي لدى شخص يعرفونه, و تسمعهم يقولون ” اخرج و غير جو و ستكون على ما يرام”

” هذه الأشياء موجودة فقط في رأسك” ” حركات دلع”

” هذه الأشياء فقط في عقلك” جملة تثير حفيظتي كما ستثير حفيظة الشخص المريض.. فهي تشبه إلى حد كبير جملة قد تقولها لمريض السرطان ” السرطان فقط في رئتك” عندما يمرض جسدنا لا نتجاهل مرضنا بل نسارع إلى زيارة الطبيب و نقوم بالفحوصات و الأشعة و التحاليل. و لكن ما الذي نفعله عندما تمرض نفسنا؟ أو عقلنا؟ لا شيء! لماذا؟ لأننا ببساطة لا نملك الثقافة الكافية عن صحتنا النفسية؟ و ماذا يعني أنه إن عقلك ليس سليماً تماماً. معظم الناس تظن أنها ” مرحلة و ستمر” و أنها نتيجة لضغوط و ” سيتجاوزها” و نستمر في التجاهل و النكران إلى أن يصبح المرض قد استشرى و فتك بنا و أصبح العلاج صعباً و مرهقاً و مكلفاً.

و عليه, فإنه لابد من التطرق إلى هذا الموضوع و تسليط الضوء على حقائق تتعلق بالأمراض النفسية و الأمراض العقلية ربما تساعدنا في فهم طبيعتها و طبيعة ما يمر به المريض أيضاً على حد سواء..

1-الوصمة :

إنها نظرة مشوهة عن المرض النفسي و التي جعلت بعض العلاجات صعبة و مستحيلة أحياناً, لو دخل شخص ما المشفى للعلاج, فإنك سترى حوله كل أفراد أسرته, و سيكون هناك اهتمام كبير بمتابعة حالته الصحية و أدويته و ما إلى هنالك من زيارات و قد تجد صوره على الفيسبوك من داخل المشفى بينما يتلقى التبريكات تحمد الله على سلامته, و لكن الأمر لن يكون نفسه بالنسبة لشخص دخل المشفى لأنه حاول الانتحار أو لأنه تناول جرعة زائدة من المخدرات. سيكون هناك تعتيم عام على الموضوع من قبل المحيطين بالشخص, أوه! حاول الانتحار! مسكين ياله من مختل! أوه! مدمن! لابد أنه شخص سيء السمعة.. بعد هذا كله من يريد أن يذهب إلى الطبيب النفسي ليتم تشخيصه كجزء من فئة يسميها المجتمع ” المختلة” أو ” المجانين” لا أحد سيذهب للعلاج طالما أن هذا التصور العام بقي على ما هو عليه.

2-المرض النفسي ليس صفة شخصية:

هناك فرق بين الاضطرابات النفسية و بين سمات الشخصية. قد أصف شخص ما أنه مغرور أو متكبر هذه قد تكون إحدى سماته و لكني لا أقول أن سمته ” نرجسي”! الشخصية النرجسية هي أحد أنواع الاضطرابات التي تصيب الشخصية .. كاضطراب الشخصية الحدية , الهوسية, المعادية للمجتمع , التجنبية” و هذه الاضطرابات تتميز عن السمات في أنها تكون على هيئة سلوكيات و أفكار ” غير طبيعية” مقارنة مع باقي الأفراد و هي ثابتة لا تتغير تبعاً للمواقف و الأشخاص و هي دائما ما تسبب للفرد اعتلالاً و ظيفياً و تمنعه من ممارسة حياته بشكل سليم . لذلك فمن الفظيع أن أصف نفسي أو شخصاً ما على أنه ” نرجسي – معادي للمجتمع- مهووس”

3-المرض النفسي درجات و ليس الجميع على نفس السوية من الشدة :

لكل مرض نفسي مقياس و درجات و معايير, بمجرد أن يتم تشخيصك فإنه سيتم وضعك على هذا المقياس, من 1 إلى 6 مثلاً حسب شدة المرض.. البعض سيكون قادراً على إكمال حياته دون عوائق, و ستكون المهمة سهلة بالنسبة له بينما سيعاني البعض قليلاً و قد يكون قليلو الحظ عرضة لصعوبات كبيرة قد تكون معيقة لحياتهم الطبيعية و القيام بوظائفهم على أكمل وجه دون رعاية خاصة.

4-الدواء أمر أساسي في الأمراض النفسية و العقلية :

لا ينكر علم النفس أهمية العلاج النفسي غير الدوائي بالعكس بل هو يعتبر عماد علاج الاضطرابات النفسية , ما يرفضه علم النفس هو استبعاد العلاج الدوائي من حسابات المريض, العلاج باليوجا أو بالخلطات العشبية و الحمية الغذائية و غيرها قد يكون فعالاً في حال كانت درجة المرض بسيطة , أما الحالات المتوسطة و الشديدة فإن الدواء سيكون أساسياً و ما يأتي بعده سيكون مكملاً له. إن معظم الاضطرابات النفسية و العقلية تحدث نتيجة لتغيرات في كيمياء المخ و اختلالاً في النواقل العصبية الموجودة فيه ” السيروتونين – الدوبامين..” لذلك فإن عمل الدواء يكون في إحداث توازن في هذه العمليات الكيميائية داخل المخ.و اعادتها إلى عملها الطبيعي, و على المريض و من حوله أن يكونوا على دراية بأن الدواء لن يجعل المريض شخصاً آخر و لن يغير من شخصيته. الدواء سيعيد الشخص إلى ما هو عليه و ما يجب أن يكون.

نشر على موقع هافينغتون بوست العربي حقائق مهمة عن الأمراض النفسية ( ج 1)

 

أضف تعليق